سورة السجدة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


قوله تعالى: {ولكنْ حَقَّ القولُ مِنِّي} أي: وجب وسبق؛ والقول هو قوله لإِبليس {لأَملأنَّ جهنَّم منكَ وممَّن تَبِعك منهم أجمعين} [ص: 85].
قوله تعالى: {لأَملأنَّ جهنَّم مِنَ الجِنَّة والنَّاس أجمعين} أي: من كفار الفريقين. {فذُوقوا بما نسيتم لقاءَ يومكم هذا} قال مقاتل: إِذا دخلوا النار قالت لهم الخزَنة: فذوقوا العذاب. وقال غيره: إِذا اصطرخوا فيها قيل لهم: ذُوقوا بما نَسِيتُم، أي: بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، {إِنَّا نَسِيناكم} أي: تركناكم من الرَّحمة.
قوله تعالى: {إِنَّما يؤمِن بآياتنا الذين إِذا ذُكِّروا بها} أي: وُعِظوا بها {خَرُّوا سُجَّداً} أي: سقطوا على وجوههم ساجدين. وقيل: المعنى: إِنَّما يؤمِن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إِذا ذُكِّروا بها بالأذان والإِقامة خَرُّوا سُجَّداً.
قوله تعالى: {تتجافى جنوبُهم} اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في المتهجِّدين بالليل؛ روى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {تتجافى جنوبُهم} قال: «قيام العبد من الليل» وفي لفظ آخر أنه قال لمعاذ: «إِن شئتَ أنبأتُك بأبواب الخير» قال: قلت أجَلْ يا رسول الله، قال: «الصَّوم جُنَّة، والصدقة تكفِّر الخطيئة، وقيام الرَّجل في جوف الليل يبتغي وجه الله». ثم قرأ: {تتجافى جنوبُهم عن المضاجع}. وكذلك قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وقتادة، وابن زيد أنها في قيام الليل. وقد روى العوفي عن ابن عباس قال: تتجافى جنوبهم لذِكْر الله، كلَّما استيقظوا ذَكَروا الله، إِما في الصلاة، وإِمَّا في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكُرون الله عز وجل.
والثاني: أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلُّون ما بين المغرب والعشاء، قاله أنس بن مالك.
والثالث: أنها نزلت في صلاة العشاء كأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلُّوها، قاله ابن عباس.
والرابع: أنها صلاة العشاء والصبح في جماعة، قاله أبو الدرداء، والضحاك.
ومعنى {تَتَجافى}: ترتفع. والمَضَاجِع جمع مَضْجَع، وهو الموضع الذي يُضْطَجَع عليه.
{يَدْعُونَ ربَّهم خَوْفاً} من عذابه {وطمعاً} في رحمته وثوابه {ومِمَّا رَزَقْناهم يُنْفِقونَ} في الواجب والتطوُّع.
{فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهم} وأسكن ياء {أُخْفِي} حمزة، ويعقوب. قال الزجاج: في هذا دليل على أن المراد بالآية التي قبلها: الصلاة في جوف الليل، لأنه عمل يسترُّ الإِنسان به، فجعل لفظ ما يُجازى به {أُخفي لهم}، فاذا فتحتَ ياء {أُخْفِيَ}، فعلى تأويل الفعل الماضي، وإِذا أسكنْتَها، فالمعنى: ما أُخْفِي أنا لهم، إِخبار عن الله تعالى؛ وكذلك قال الحسن البصري: أخفي لهم، بالخُفْية خُفْية، وبالعلانية علانية. وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر، اقرؤوا إِن شئتم: {فلا تَعْلَمُ نَفْس ما أُخْفيَ لهم}». قوله تعالى: {مِن قُرَّة أعيُنٍ} وقرأ أبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي، وقتادة: {من قُرَّاتِ أعيُنٍ} بألف على الجمع.


قوله تعالى: {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط قال لعليّ بن أبي طالب: أنا أحدٌّ منك سناناً، وأبسط منك لساناً، وأملأ للكتيبة منك، فقال له عليٌّ: اسكت فانما أنت فاسق، فنزلت هذه الآية، فعنى بالمؤمن عليّاً، وبالفاسق الوليد، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عطاء بن يسار، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، ومقاتل.
والثاني: أنها نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل، قاله شريك.
قوله تعالى: {لا يستوون} قال الزجاج: المعنى: لا يستوي المؤمنون والكافرون؛ ويجوز أن يكون لاثنين، لأن معنى الاثنين جماعة؛ وقد شهد الله بهذا الكلام لعليٍّ عليه السلام بالايمان وأنَّه في الجنَّة، لقوله: {أمَّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنَّات المأوى}. وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرِّف: {جنةُ المأوى} على التوحيد.
قوله تعالى: {نُزُلاً} وقرأ الحسن، والنخعي، والأعمش، وابن أبي عبلة: {نُزْلاً} بتسكين الزاي. وما بعد هذا قد سبق بيانه [الحج: 22] إِلى قوله تعالى: {ولَنُذيقنَّهم مِنَ العذاب الأدنى} وفيه ستة أقوال.
أحدها: أنه ما أصابهم يوم بدر، رواه مسروق عن ابن مسعود، وبه قال قتادة، والسدي.
والثاني: سنون أُخذوا بها، رواه أبو عبيدة عن ابن مسعود، وبه قال النخعي. وقال مقاتل: أُخذوا بالجوع سبع سنين.
والثالث: مصائب الدنيا، قاله أُبيُّ بن كعب، وابن عباس في رواية ابن أبي طلحة، وأبو العالية، والحسن، وقتادة، والضحاك.
والرابع: الحدود، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والخامس: عذاب القبر، قاله البراء.
والسادس: القتل والجوع، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {دون العذاب الأكبر} أي: قَبْل العذاب الأكبر؛ وفيه قولان:
أحدهما: أنه عذاب يوم القيامة، قاله ابن مسعود.
والثاني: أنه القتل ببدر، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {لعلَّهم يرجِعون} قال أبو العالية: لعلهم يتوبون. وقال ابن مسعود: لعلَّ مَنْ بقي منهم يتوب. وقال مقاتل: لكي يرجِعوا عن الكفر إِلى الإِيمان.
قوله تعالى: {ومن أظلمُ} قد فسرناه في [الكهف: 57].
قوله تعالى: {إِنَّا من المجرمين منتقمون} قال زيد بن رفيع: هم أصحاب القَدَر. وقال مقاتل: هم كفار مكة انتقم الله منهم بالقتل ببدر، وضربت الملائكةُ وجوههم وأدبارهم، وعجُّل أرواحهم إِلى النار.


قوله تعالى: {ولقد آتَيْنا موسى الكتاب} يعني التوراة {فلا تَكُنْ في مِرْيَة من لقائه} فيه أربعة أقوال.
أحدها: فلا تكن في مرية من لقاء موسى ربَّه، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: من لقاء موسى ليلة الإِسراء، قاله أبو العالية، ومجاهد، وقتادة، وابن السائب.
والثالث: فلا تكن في شكٍّ من لقاء الأذى كما لقي موسى، قاله الحسن.
والرابع: لا تكن في مرية من تلقِّى موسى كتابَ الله بالرضى والقبول، قاله السدي. قال الزجاج: وقد قيل: فلا تكن في شكٍّ من لقاء موسى الكتاب، فتكون الهاء للكتاب. وقال أبو علي الفارسي: المعنى: من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إِلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أُمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل. وفي قوله: {وجعلناه هُدىً} قولان:
أحدهما: الكتاب، قاله الحسن.
والثاني: موسى، قاله قتادة.
{وجعلنا منهم} أي: من بني إِسرائيل {أئمَةً} أي: قادة في الخير {يَهْدُونَ بأمرنا} أي: يدعون الناس إِلى طاعة الله {لمَّا صبروا} قرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {لَمَّا صبروا} بفتح اللام وتشديد الميم. وقرأ حمزة، والكسائي: {لِمَا} بكسر اللام خفيفة. وقرأ ابن مسعود {بما} بباء مكان اللام؛ والمراد: صبرهم على دينهم وأذى عدوِّهم {وكانوا بآياتنا يوقِنون} أنها من الله عز وجل؛ وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم الأنبياء.
والثاني: أنهم قومٌُ صالحون سوى الأنبياء. وفي هذا تنبيه لقريش أنكم إِن أَطعتم جعلتُ منكم أئمة.
قوله تعالى: {إِنَّ ربَّكَ هو يَفْصِلُ بينهم} أي: يقضي ويحكُم؛ وفي المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم الأنبياء وأُممهم.
والثاني: المؤمنون والمشركون.
ثم خوَّف كفار مكة بقوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لهم} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {نَهْدِ} بالنون. وقد سبق تفسيره في [طه: 128].
{أَوَلَمْ يَرَواْ أنَّا نَسُوق الماء} يعني المطر والسيل {إِلى الأرض الجُرُز} وهي التي لا تُنبت- وقد ذكرناها في أول [الكهف: 8]- فاذا جاء الماء أنبتَ فيها ما يأكل الناس والأنعام.
{ويقولون} يعني كفار مكة {متى هذا الفتح} وفيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه ما فتح يوم بدر؛ روى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: يومَ بدر فُتح للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم ينفع الذين كفروا إِيمانُهم بعد الموت.
والثاني: أنه يوم القيامة، وهو يوم الحُكم بالثواب والعقاب، قاله مجاهد.
والثالث: أنه اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب في الدنيا؛ قاله السدي.
والرابع: فتح مكة، قاله ابن السائب، والفراء، وابن قتيبة؛ وقد اعتُرض على هذا القول، فقيل: كيف لا ينفع الكفارَ إِيمانُهم يوم الفتح، وقد أسلم جماعة وقُبِلَ إِسلامُهم يومئذ؟! فعنه جوابان.
أحدهما: لا ينفع مَنْ قُتل من الكفار يومئذ إِيمانُهم بعد الموت؛ وقد ذكرناه عن ابن عباس. وقد ذكر أهل السِّيَر أنَّ خالداً دخل يوم الفتح من غير الطريق التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه صفوان بن أميَّة وسهيل ابن عمرو في آخرين فقاتلوه، فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم، فقتل أربعة وعشرين من قريش، وأربعة من هذيل، وانهزموا، فلمَّا ظهر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم أَنه عن القتال»؟ فقيل: إِن خالداً قوتل فقاتل.
والثاني: لا ينفع الكفارَ ما أُعطوا من الأمان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَغلق بابَه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» قال الزجاج: يقال: آمنتُ فلاناً إِيماناً، فعلى هذا يكون المعنى: لا يدفع هذا الأمانُ عنهم عذابَ الله. وهذا القول الذي قد دافعنا عنه ليس بالمختار، وإِنما بيَّنَّا وجهه لأنه قد قيل.
وقد خرج بما ذكرنا في الفتح قولان:
أحدهما: أنه الحكم والقضاء، وهو الذي نختاره.
والثاني: فتح البلد.
قوله تعالى: {فأَعْرِضْ عنهم وانْتَظِر} أي: انتظر عذابهم {إِنَّهم مُنْتَظِرونَ} بك حوادث الدهر. قال المفسرون: وهذه الآية منسوخة بأية السيف.

1 | 2