قوله تعالى: {ولكنْ حَقَّ القولُ مِنِّي} أي: وجب وسبق؛ والقول هو قوله لإِبليس {لأَملأنَّ جهنَّم منكَ وممَّن تَبِعك منهم أجمعين} [ص: 85].قوله تعالى: {لأَملأنَّ جهنَّم مِنَ الجِنَّة والنَّاس أجمعين} أي: من كفار الفريقين. {فذُوقوا بما نسيتم لقاءَ يومكم هذا} قال مقاتل: إِذا دخلوا النار قالت لهم الخزَنة: فذوقوا العذاب. وقال غيره: إِذا اصطرخوا فيها قيل لهم: ذُوقوا بما نَسِيتُم، أي: بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، {إِنَّا نَسِيناكم} أي: تركناكم من الرَّحمة.قوله تعالى: {إِنَّما يؤمِن بآياتنا الذين إِذا ذُكِّروا بها} أي: وُعِظوا بها {خَرُّوا سُجَّداً} أي: سقطوا على وجوههم ساجدين. وقيل: المعنى: إِنَّما يؤمِن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إِذا ذُكِّروا بها بالأذان والإِقامة خَرُّوا سُجَّداً.قوله تعالى: {تتجافى جنوبُهم} اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال.أحدها: أنها نزلت في المتهجِّدين بالليل؛ روى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {تتجافى جنوبُهم} قال: «قيام العبد من الليل» وفي لفظ آخر أنه قال لمعاذ: «إِن شئتَ أنبأتُك بأبواب الخير» قال: قلت أجَلْ يا رسول الله، قال: «الصَّوم جُنَّة، والصدقة تكفِّر الخطيئة، وقيام الرَّجل في جوف الليل يبتغي وجه الله». ثم قرأ: {تتجافى جنوبُهم عن المضاجع}. وكذلك قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وقتادة، وابن زيد أنها في قيام الليل. وقد روى العوفي عن ابن عباس قال: تتجافى جنوبهم لذِكْر الله، كلَّما استيقظوا ذَكَروا الله، إِما في الصلاة، وإِمَّا في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكُرون الله عز وجل.والثاني: أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلُّون ما بين المغرب والعشاء، قاله أنس بن مالك.والثالث: أنها نزلت في صلاة العشاء كأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلُّوها، قاله ابن عباس.والرابع: أنها صلاة العشاء والصبح في جماعة، قاله أبو الدرداء، والضحاك.ومعنى {تَتَجافى}: ترتفع. والمَضَاجِع جمع مَضْجَع، وهو الموضع الذي يُضْطَجَع عليه.{يَدْعُونَ ربَّهم خَوْفاً} من عذابه {وطمعاً} في رحمته وثوابه {ومِمَّا رَزَقْناهم يُنْفِقونَ} في الواجب والتطوُّع.{فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهم} وأسكن ياء {أُخْفِي} حمزة، ويعقوب. قال الزجاج: في هذا دليل على أن المراد بالآية التي قبلها: الصلاة في جوف الليل، لأنه عمل يسترُّ الإِنسان به، فجعل لفظ ما يُجازى به {أُخفي لهم}، فاذا فتحتَ ياء {أُخْفِيَ}، فعلى تأويل الفعل الماضي، وإِذا أسكنْتَها، فالمعنى: ما أُخْفِي أنا لهم، إِخبار عن الله تعالى؛ وكذلك قال الحسن البصري: أخفي لهم، بالخُفْية خُفْية، وبالعلانية علانية. وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر، اقرؤوا إِن شئتم: {فلا تَعْلَمُ نَفْس ما أُخْفيَ لهم}». قوله تعالى: {مِن قُرَّة أعيُنٍ} وقرأ أبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي، وقتادة: {من قُرَّاتِ أعيُنٍ} بألف على الجمع.